إنّا لفراقك لمحزونون

أحمد بن محمد الجردان
الرياض
 
 
بكى عالم الإسلام عالم عصره سراج الدياجي هادم الشبهات
نعم بكى عالم الإسلام كله صبيحة يوم الخميس الموافق 1420/1/27 هـ حزنا على فراق عالم الأمة وجبلها الأشم المربي الفاضل، والموجه الحكيم، والأب الحنون المحبوب من الجميع ليس في المملكة فحسب بل في كل صقع من أصقاع الدنيا، ذلكم الفذ الذي تعجز مفردات التبجيل أن تفيه حقه، فقيد المسلمين جميعا لا فقيد أهله فحسب، سماحة والدنا الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، يتغمده الله بواسع رحمته، وخلف على المسلمين من يسد ثغورا لا يحصيها إلا الله، كان رحمه الله قد سدها بكل ثقة واقتدار.
لقد نعاه الديوان الملكي؛ وليس بذلك غرابة، فهو أهل أن ينعاه الديوان الملكي الذي تعودنا منه مثل هذه اللمسات الصادقة تجاه علمائنا؛ فولاة أمرنا وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين - أمد الله في عمره - أحبوا ابن باز وقربوه وسمعوا رأيه وأكرموه، فجزاهم الله عن فقيد الأمة وعنا كل خير.
وأذكر أني في درس من دروس سماحته - مع تفريطي - سمعته بكل رفق وأدب وبصوت كله تواضع وهدوء يوجه سائلا تبرم من حال واحد من الناس للسائل علاقة به حيث قال السائل: لقد دعوته عشرين مرة ولم يستجب، فرد سماحته رحمه الله أن استمر في دعوته ولا تيأس ..!!
وسماحته قد علّم علماء الأمة وأهل الفكر والأدب كيفية الاستفادة من التقنيات الحديثة؛ كان آخرها إيجاده موقعا خاصا به على شبكة الإنترنت، كما أنه دخل وسائل الإعلام فنشر علمه وفتاواه وتجاربه عبرها؛ وما برنامج نور على الدرب عنا ببعيد، ولسماحته إرث مكتوب تمثل في كتبه القيمة، وإرث مسموع تمثل في: برامجه الإذاعية، وفتاواه، ومحاضراته، ودروسه، وكم نحن بحاجة إلى من يجمع للأمة ولأجيالها القادمة كل ما كتبه سماحته وكل ما سجله رحمه الله؛ فذلك خير ميراث وخير زاد - غفر الله له - وفي حياته دروس وعبر لمن رغب استلهامها من حياته - غفر الله له - حيث إن جدوله اليومي مشغول من صلاة الفجر حتى بعد تناول طعام العشاء ما بين درس وإفتاء وعمل رسمي، ويذكر أن مائدة فطوره وغداءه وعشاءه لم تخل من زائر أو طالب علم أو مستفت أو صاحب حاجة، وقد كان - غفر الله له - صواما وقواما، هينا لينا، مجيبا للدعوة، يتحفى بك ويهش لك ويبش ولو لم يكن بينك وبينه معرفة، إنه عَلَم بكاه الصغير قبل الكبير والفقير قبل الغني واليتيم قبل ذي الأب والأم، لقد دهانا نبأ وفاته الذي يصدق فيه.
دهى الجزيرة أمر لا عزاء له هوى له أحدٌ وانهد ثهلان
لا عجب لو نطقت دروب مشاها ومجالس غشاها وغراس سقاها ومساجد بناها لضجت من البكاء ولتداعى معها بكاء ما جاورها من دروب ومجالس وغراس ومساجد ..!!
أنا وكل واحد من المسلمين في مصابنا بسماحته لسان حالنا يقول:
أبكيك حتى نلتقي في جنة برياض خلد زينتها الحور
إن العين لتدمع، والقلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا شيخنا لمحزونون.
إنا لله وإنا إليه راجعون. [1]
  1. جريدة الجزيرة، الأحد 1 صفر 1420هـ .