الكلمات لا توفيه حقه

سعود بن محمد عرب
رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحافظة الطائف المكلف
 
الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، والصلاة والسلام على من اختاره الله واصطفاه؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
تَسَلَّى الناس بالدنيا وإنا لعمر الله بعدك ما سلينا
ومن الذي يسلى أو ينسى عالم الأقطار، وشيخ الأمصار، ومفتي الديار، سماحة الشيخ البار (ابن باز)؛ يتحدث المتحدثون، ويعظ الواعظون، ويفتي المفتون، فإذا قيل: "قال الشيخ ابن باز" سكت الجميع.
كان رحمه الله بحراً لا ساحل له، عرفنا العلم في علمه، والتواضع في شخصه، والسماحة في سماحته، وإنا نقول بكل أمانة ودون مبالغة: إنا لا نعلم أحداً من بني عصره قدم مثلما قدم، ولمَ لا وهو رجل وهب حياته لخدمة هذا الدين عمره كله؛ أعوامه وأيامه ساعاته ودقائقه من أجل (لا إله إلا الله)، نظرة عابرة في تقسيمه لوقته وأنفاسه تكفي لمعرفة هذا الشيخ الجليل من الفجر إلى العشاء ومن العشاء إلى الفجر في شئون الإسلام والمسلمين، وفي حوائج العامة والخاصة نسي نفسه وأنكر ذاته، فلله دره ما أكرمه: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ يأتيه الناس من كل فج عميق قد اختلفت حوائجهم ومقاصدهم تماماً مثلما اختلفت ألسنتهم وألوانهم، فلا يرد أحداً، ولا يتذمر، ولا يجرح هيئة ولا شخصاً، ولا يصد ويتكبر، ولا يمُن ويستكثر، أحبه المسلمون رجالهم وأطفالهم وشيوخهم ونساؤهم، أحبوه حباً جماً جميلاً لخلقه العظيم، وعلمه الواسع، وذاته المتواضع، لا خوفاً منه ولا طمعاً فيه.
أحبك لا خوفاً ولا طمعا تلك المحبة في أسمى معانيها
أعطاه الله الفهم والفقه: ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين .
وأعطاه الصبر: وما أعطي أحد عطاء خيراً ولا أوسع من الصبر وما من مسلم على ظهر البسيطة إلا فقد شيئاً بفقد سماحته ولاشك، افتقد طلبة العلم خير معلم، وافتقد الفقراء والمساكين خير منفق، وافتقد العلماء خير مرشد، وافتقد العلم خير باحث، فلا ضير إن بكى العلم والعلماء، ورثى الحكماء والشعراء، خلّف جهداً وتراثاً يعجز عن إنجازه جمهرة من العلماء في مئات السنين؛ لا تدخل مكتبة منزلية ولا عامة ولا صغيرة ولا كبيرة إلا وجدت أثراً من آثاره، وبصمة من بصماته، إما كتاباً أو كتيباً أو شرحاً أو فتوى أو رسالة من رسائله، هذا غير أقواله المشهورة، ورسائله المخصصة، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر في شتى أرجاء المعمورة، وغير مساعداته وأفضاله وخدماته التي غمرت ملايين البشر، ومهما قلنا ومهما كتبنا فلن نوفيه بعض حقه؛ فضلاً عن حقه كله، حتى الكلمات كلما أضاءت شموعها سالت دموعها، والعزاء في سماحته أنه اختار الباقي دون الفاني، وأنه سيقدم على روضة من رياض الجنة إن شاء الله تعالى.
ونسأل الله أن يجمعنا به في زمرة الصديقين والشهداء في دار كرامته ومستقر رحمته .. آمين.
وإنا لله وإنا إليه راجعون. [1]
  1. جريدة الجزيرة، الثلاثاء 3 صفر 1420هـ .